إننا نعيش في وقت يذكرنا بالثلاثينيات: أزمة عميقة للرأسمالية العالمية, والتي تدفع الإنسانية لمواجهة الاختيار التاريخي: اشتراكية أو بربرية. ففي العديد من البلاد, هبت الحركات الجماهيرية ساعية لايجاد مخرج لها من الطريق المسدود للنظام الامبريالي المتحلل.
اسرائيل ليست استثناء من أزمة الرأسمالية, فمع ازدياد الفقر وتناقص الفرص أمام الشباب, وبالطبع بالنسبة للشعب الفلسطيني ضحية إرهاب ونهب الدولة الاسرائيلية فأن الوضع ليس فقط أسوأ بكثير بل أيضا هو جزء لا يتجزأ من الحكم الاستعماري الصهيوني. وفي الواقع حتى مجرد مقارنة معاناة نوعي القهر هذين يبدو غير عادل بالنسبة للفلسطينيين.
الصيف الماضي صدمت الحركة الاحتجاجية الاسرائيلية من أجل “العدالة الاجتماعية” حكام البلاد بقوتها. إلا انها تراجعت واختفت دون أن تحقق أي مطالب. ونحن في الرابطة الاشتراكية الأممية نعتقد أن ذلك يؤكد تحذيراتنا بأن صراع يهود اسرائيل ضد تفاقم الظلم الاقتصادي محكوم عليه بالفشل طالما لم يخلصوا انفسهم من التعصب الصهيوني ويتناولوا مطالب تدافع عن الفلسطينيين في مواجهة تزايد القمع الصهيوني ويقوموا باكتشاف الفلسطينيين كقوة عظيمة ضد الرأسمالية من النهر إلى البحر.
الدولة الإسرائيلية ظلم رأسمالي في حد ذاتها
الحقيقة هي أن الدولة الاسرائيلية في حد ذاتها ظلم رأسمالي .. للفلسطينيين, المحكومين بأسوأ عصبية عنصرية داخل اسرائيل, ولللاجئين وأحفادهم الذين ارتكب الصهاينة ضدهم عمليات التهجير والتطهير العرقي من وطنهم وحكموا عليهم بالبقاء مدى الحياة في مخيمات اللاجئين, وأيضا لسكان غزة الذين تتعرض معاناتهم المسالمة تحت الحصار الاسرائيلي للانتهاك بانتظام بالهجمات المجرمة للصروايخ الاسرائيلية والتوغلات العسكرية, أيضا الدولة الاسرائيلية ظلم رأسمالي لفلسطينيو الضفة الغربية الذين يفقدون أراضيهم أكثر من اي وقت مضى بالاستيطان الصهيوني في الوقت الذي تقمعهم فيه السلطة الفلسطينية نيابة عن الصهاينة.
طالما ظلت المؤسسات الاسرائيلية العنصرية والاستعمارية دون مواجهة وتحدي, فسيظل حكامها الرأسماليين مسيطرين. وإذا لم يحطم النضال داخل اسرائيل الخطوط الحمراء للصهيونية ويدعم دور الفلسطينيين الرائد في القتال من أجل العدالة الاجتماعية, فإن تفاقم الأزمة الرأسمالية سيحفز المنطق الاسرائيلي لتكثيف القمع والاضطهاد. والمذابح التي تواجهها المجتمعات الاسرائيلية للمهاجرين الأفارقة ليست سوى آخر مثال ودليل على ذلك. ولكن وبالطريقة التي يلقي بها حكام اسرائيل اللوم على الضحايا, سيجدون طرقا جديدة لاستهداف يهود الطبقة العاملة والفقراء أيضا.
هذا كله لا يمنع في الحقيقة الاصلاحيين في اسرائيل عن الترويج لفكرة دولة الرفاهية كبديل لتصور البلاد “الرأسمالية المتطرفة”. ولكن الرأسماليين لم يعودوا قادرين على تحمل سياسات الدولة المرفهة التي وعد بها “العمل” و”الاشتراكية الصهيونية” يهود اسرائيل على جساب الفلسطينيين. وليس صدفة أن محاولات هذا العام لاحياء الحركة الاحتجاجية من أجل “العدالة الاجتماعية” قد قوبلت بقمع بوليسي عنيف منذ البداية: سببه ليس فقط أن الطبقة الحاكمة الاسرائيلية لم تعد قادرة على تقديم امتيازات اقتصادية حقيقية للمتظاهرين, ولكن أيضا لانهم يدركون ان بإمكانهم الاعتماد على دعم الجماهير من الصهاينة الأكثر إلتزاما بتقبلهم الحاجة لوضع قوة واستقرار الدولة الصهيونية كأولوية أعلى من مخاوف ارتفاع معدلات الفقر والظلم بين اليهود الاسرائيليين.
بدأ القمع العنيف باعتقال الناشط الذي بدأ احتجاجات العام الماضي “دافني ليف” بالإضافة لآخرين في 22 يونيو, والتي خلالها اصيب “ليف” بجروح خطيرة. في اليوم التالي, احتج الآلاف في تل أبيب ضد العنف تحت شعار “الدولة البوليسية”. وحطم العديد من المتظاهرين مصرفين في منطقة ميدان رابين والعديد من النوافذ. بعد ذلك قطع المتظاهرين الطرق. ووصل أعداد ضخمة من الشرطة وقوات مكافحة الشغب “ياسام” وواجهت المتظاهرين واعتقلت 85 منهم, بزعم أن المحتجين لم يكن لديهم تصريح بالتظاهر. لكن لا شك أن الشرطة كانت تنتظر الفرصة لشن مثل تلك الحملة. وقال “يونثان ليفي” أحد قيادات الاحتجاج الاجتماعي انه بين الناشطين “شعور قوي بأن الشرطة قد تلقت أوامر من أعلى القيادات السياسية في النظام الاسرائيلي بالقضاء على احتجاجات هذا الصيف .. فالناس وصلوا هادئين وسعداء للاحتجاج الليلة الماضية كما كانوا في كل الاحتجاجات السابقة, إلا أنهم واجهوا قمع عنيف لم يسبق له مثيل من رجال الشرطة”.
يجب كسر جدار الصمت المقام حول نضالات الفلسطينيين.
بالطبع إننا في الرابطة الاشتراكية الأممية ندرك جيدا أن معظم أبناء الطبقة العاملة والفقراء بل وربما معظم المحتجين الآن من اليهود الاسرائيليين, لن يتقبلوا الطرح القائل بوضع الصراع الفلسطيني كأولوية قصوى بينما هم قادمون من أجل النضال على مطالب “العدالة الاجتماعية”. ولكن يمكن كسب عدد مهم من المحتجين للنضال ضد الهجمات الصهيونية على الفلسطينيين المستمرة الآن ورفع مطالب أساسية مثل:
أوقفوا سرقة وتدمير المنازل الفلسطينية
أوقفوا التطهير العرقي للفلسطينيين من القدس الشرقية ويافا واللود والنقب
أوقفوا المستوطنات. يسقط الجدار
يسقط التميز العنصري ضد الفلسطينيين في المسكن والتوظيف والخدمات الاجتماعية
يسقط حصار غزة
الكفاح من أجل تبني هذه المطالب سيقابل بمقاومة من صهاينة اليمين في قيادات حركة الاحتجاج. ففي العام الماضي, استخدمت قيادات العام الماضي غطاء المعارضة السياسية من أجل بناء اوسع جبهة ممكنة (بما فيها اليمين السياسي) لرفض الدفاع عن الفلسطينيين. لكن هذا المنظور يفرغ حركة الاحتجاج من الفلسطينيين ويعزز العصبية الاسرائيلية. وجهة النظر التي تقول ببناء وحدة مع الفلسطينيين والدفاع عن عنهم ضد هجمات جديدة والاحتجاج في الوقت ذاته على الظلم الاقتصادي الذي يواجهه الاسرائيليين هي وجهة نظر أفضل بكثير, حتى لو حركت احتجاجات أصغر. وبإمكانها أن تجتذب دعم ضروري جدا للفلسطينيين وتأخذ موقف مدافع عن الضحايا الأكثر فقرا واضطهادا للدولة الاسرائيلية, مما سيجعل من الصعب على قادة الاحتجاج إهمال المطالب الاقتصادية للاسرائيليين الأكثر فقرا أيضا, والذي كان سمة أخرى من سمات احتجاجات العام الماضي.
وهذه الحركة حتى لو كانت أصغر حجما, ستمثل تهديدا حقيقيا للطبقة الحاكمة الاسرائيلية وبالتالي أكثر قدرة على الحصول على تنازلات. والأهم من ذلك أنها سوف تفتح الطريق أمام تضامن حقيقي مع اوسع النضالات الثورية العربية التي تواصل هز المنطقة وتتحدى الدول التي كانت مهمة جدا لفرض مصالح الامبريالية في المنطقة.
من أجل ثورة اشتراكية ودولة عمال فلسطينية.
إننا في الرابطة الاشتراكية الأممية نؤمن أن موجة الثورات التي هزت العالم العربي في الشهور الثمانية عشر الأخيرة قد بدأت لتوها. ونضالات الجماهير التي انطلقت كانتفاضات شعبية من جميع طبقات الشعب تطالب بالديموقراطية, نعتقد أن الطبقة العاملة ستتصدر واجهتها تصاعديا وتتعلم أن حرياتها الديموقراطية لا يمكن ضمانها إلا باسقاط الرأسمالية. ونحن نؤمن أن دولة اسرائيل ستثبت لنا أنه لا يوجد استثناءات.
في كتيب لنا بعنوان “هل يمكن للاحتجاجات الاسرائيلية مساعدة التحرر الفلسطيني؟” وأيضا في مقالاتنا على موقعنا: www.the-isleague.com نشرح باسهاب كيف نساند نضال صلب من أجل حقوق الشعب الفلسطيني, بما فيه الحق الكامل في العودة لجميع اللاجئين الفلسطينيين. ونحن ندرك أن هذا المطلب وحده يقضي على المشروع العنصري الصهيوني للدولة اليهودية في فلسطين. إننا نعلن وجهة نظرنا في دولة فلسطينية من النهر إلى البحر, يكون لليهود فيها الحق في الحياة, متحررة من كل أشكال التمييز العنصري والعرقي, دونما أي حقوق خاصة او استثناءات في المطالبة بالأراضي أو الممتلكات أو السلطة السياسية على نفقة الفلسطينيين. ولكننا مقتنعون بأن مثل هذا المنظور للحرية والعدالة لا يتفق مع الرأسمالية الإمبريالية. ولن يتحقق إلا عن طريق ثورات الضحايا الأساسيين للنظام, الطبقة العاملة والفقراء. وفي حالة اسرائيل, سيتحقق ذلك في المقام الأول بيد جماهير الطبقة العاملة الفلسطينية والفقراء, جنبا إلى جنب مع حلفاءهم من اليهود الاسرائيليين.
ونحن حريصون على بناء الحزب الثوري الذي يضم الفئة الأكثر وعيا من الطبقة العاملة والفقراء لقيادة هذا النضال. كما أننا نحث ونشجع كل المهتمين بمعرفة المزيد عن أفكارنا بالاتصال بنا.