وحدهم العمال والفقراء يستطيعوا قيادة الثورات العربية نحو النصر!
نحتفل هذا العام بيوم الأرض – يوم احتجاج وغضب الشعب الفلسطيني على القهر الاسرائيلي – على خلفية الثورات التي عمت العالم العربي. لطالما كان نضال الشعب الفلسطيني للتحرر من الطغيان الاسرائيلي مصدر إلهام للجماهير العربية. التي تعيش في ظل الاستعمار وتحت وطأة الطغاة وكثيرا ما حلمت بالحرية من الاستبداد والفقر. ونحن في الرابطة الاشتراكية الأممية قمنا بتأسيس استراتيجيتنا على عقيدة أنمافشلت في تحقيقه التنظيمات العصابية وغيرها، تستطيع تحقيقه جماهير المنطقة نفسها عن طريق النهوض وتحدي الدكتاتورين الذين تعتمد عليهم الامبريالية الصهيونية للحفاظ على فرض سيطرتها. ونحن قد ناقشنا أن هذه الثورات في نهاية المطاف يمكن أن تتوحد وتجعل من الممكن الإطاحة بالطغيان الصهيوني لتبني مجتمع جديد من الحرية والعدالة لكل شعوب المنطقة.
إن الانتفاضات التي اجتاحت المنطقة العام الماضي برهنت على الطاقة الثورية الكامنة في الجماهير. ولكنها أيضا أكدت تحذيراتنا من أن النضال ضد الامبريالية من أجل الحريات الديموقراطية لا يمكن أن ينجح لو ظل محاصر في نطاق الرأسمالية. ونحن نؤمن أن مصير النضالالفسطيني سوف يحدده مدى وعي الجماهير المضطهدة المستغلة في الداخل والخارج بضرورة استيلاءها على السلطة من أجل بناء مجتمع اشتراكي يحقق الوفرة والحرية للجميع. وكما سنوضح لاحقا فإننا نثق في ان الجماهير الفسطينية داخل وخارج الخط الأخضر لها دور كبير يجب أن تقوم به في هذه القضية.
القوى التي تحجم الثورات العربية
هامش الربح الرأسمالي يؤدي عموما لاحتياجات تجعل الجماهير في البلدان المضطهدة تعاني من الفقر المدقع. فالطبقات الحاكمة للقوى الامبريالية العظمى خصوصا يجب أن تستمر في استنزاف فائق لليد العاملة والموارد الطبيعية التي تملكها المستعمرات الجديدة. وفي ظل هذا الظروف لا يمكن للديموقراطية ان تزدهر ويصبح التحرر الوطني الحقيقي مستحيلاً. مما يقطع شوطا طويلا لتوضيح السبب الذي أعاق الثورات العربية عن تحقيق الكثير من أهدافها.
في بعض الحالات واجهت الجماهير ببساطة القوة العسكرية الساحقة للأنظمة الديكتاتورية والتي كانت على استعداد لارتكاب جريمة قتل جماعي من اجل الحفاظ على قبضتهم على السلطة. لكن في أحيان أخرى كانت أخطر العوامل التي تعيق الثورات هي السيطرة البرجوازية على الصراع. فهي في بعض الاماكن تتطوع لمقاسمة السلطة مع القوى الديكتاتورية القديمة وفرض السلام مع الإمبريالية، وفي أماكن اخرى تحاول تحويل دفة الصراع لتحالف مفتوح مع الامبريالية والطوائف العنصرية والدينية المجرمة. ومع ذلك ففي كل الحالات فإن جميع القوى الموالية للرأسمالية اسلامية كانت أو قومية، تتفق على أنه في نهاية المطاف يجب أن تبقى الجاهير في مكانها في قاع المجتمع عاجزة ومستغلة.
* حصلت الجماهير التونسية على نصر سريع نسبيا ولكنها تعلمت الآن أن حكامها الجدد من الاسلاميين ينصب اهتمامهم الأكبر على صنع السلام مع الامبريالية والصهاينة وضمان هامش الربح الرأسمالي أكثر من اهتمامها برفاهية شعوبها. فاليساريين والنقابات الذين لعبوا دورا مهما في النضال ضد بن علي نجدهم يقفوا الآن في موقف الدفاع أمام الهجمات التي تشنها عليها حكومة النهضة الجديدة.
* في مصر، أنتزعت الثورة الإطاحة بالديكتاتور مبارك ولكن ظلت الديكتاتورية العسكرية. وعلقت الملايين آمالها في تحقيق مطالبهم من خلال انتخاب الاخوان المسلمين للسلطة، ولكن جماعة الاخوان المسلمين تستعد لتكون بمثابة الواجهة الديموقراطية الجديدة للعسكر. وفي مقابل شريحة من كعكة السلطة فإنها تخطط لحماية العسكر والحفاظ على السلام مع اسرائيل. وفي هذا الأثناء فإن الشباب المحتجون من اجل الديموقراطية والحركات النقابية التي تضرب من أجل رفع المستوى المعيشي للعمال يواجهون قمعا متزايدا.
* في ليبيا، تم تحويل دفة الانتفاضة ضد ديكتاتورية القذافي بعيدا عن طريق القتال من أجل تحرير كل المواطنين المضطهدين. وسعت القوى الاسلامية لمنع الثورة من تهديد المصالح الرأسمالية عن طريق مطاردة جماهير القوى العاملة المهاجرة في البلاد. ووسط القمع الوحشي بيد قوات القذافي تم الاستيلاء على الثورة الليبية من قبل قوات الناتو التي قصفت البلاد، وقامت الحكومات الفاسدة لنفط الخليج برعاية الميليشيات الأصولية التي ترهب الجماهير الآن وخصوصا السود الذين يعانون من قمع عنصري وحشي.
* في سوريا، فإن ديكتاتورية الأسد تدعي أنها تقف في مواجهة الإمبريالية. ولكن في الحقيقة فإن بشار يسير على نفس سياسات والده التي قامت بالمهام القذرة للإمبريالية في السبعينيات والثمانينيات، مثل غزو لبنان لسحق الانتفاضات الشعبية والقمع الوحشي للفلسطينيين والمقاومة السورية نفسها كذلك. فمن أجل الحفاظ على قبضته على السلطة، وازن بشار الأسد بين القوى المتنافسة، فعلى سبيل المثال قام بدعم حزب الله في لبنان باعتباره حصنا ضد العدوان الاسرائيلي، بينما في الوقت نفسه يفرض السلام على الحدود السورية مع الكيان الصهيوني ولا يقوم بأي تحدي حقيقي ضد السيطرة الاسرائيلية على هضبة الجولان. ولذلك فلا عجب أن الكثير من الشخصيات في الطبقة الحاكمة الاسرائيلية تخشى سقوط محتمل للأسد من السلطة.
في العام الماضي، رد نظام الاسد على الاحتجاجات السلمية التي خرجت تطالب بالاصلاح الديموقراطي بان أطلق ضدها عنان القمع الوحشي ، كما سعى لتحويل الصراع ضدها إلى حرب طائفية. وبينما تكون القضية الأكثر إلحاحا وأهمية هي احتياج الجماهير للدفاع عن نفسها ضد القمع المعادي للثورة، كما في سوريا الآن، والثوار يتأهبون للقتال جنبا إلى جنب مع كل القوى المستعدة للدفاع عن الجماهير. فإنه في نفس الوقت على الاشتراكيين الثوريين إلا يفوتوا أي فرصة لتطوير تنظيم مستقل من الطبقة العاملة والكادحين، أو لنقد دور كل القوى المرتبطة بالرأسمالية والتي يجب الحذر من دورها المخادع.
وبالتالي، فعلينا الدفاع عن حق الجماهير في التسليح للدفاع عن النفس ضد أي مصدر محتمل، فبينما نحذر من الانجرار وراء خدع سياسية، فإن القوى البرجوازية تسعى للحاق بتلك الذخيرة. وعلى وجه الخصوص يجب ان نواجه كل النداءات للامبرياليين أو أنصارهم للتدخل ضد الأسد، فالتدخل الامبريالي لا يمكن أن يؤدي إلا لاستبدال استبداد بآخر بل ويشجع للمزيد من التدخلات المدمرة في أماكن أخرى. النضالالمشترك المفروض على الجماهير من عدو مثل الأسد يجعل من انتقاد القوى الموالية للرأسمالية في الصراع مهمة أكثر إلحاحا. فنطاق من القوى الاصلاحية البرجوازية قد هيمن على النضال السوري منذ البداية، بدءا من الاصلاحيين الليبراليين انتهاء بالاسلاميين.
ويجب أن ندرك وننتقد خصوصا التأثير المتصاعد للقوى الرجعية الاسلامية في مواجهة الأسد، والذين يبدو بعضهم على استعداد للاستجابة لمناورات النظام التي تشجع الطائفية. فأثناء النضال من اجل الديموقراطية يجب على الثوار أيضا أن يدافعوا عن حقوق كل الأقليات والسعي لتعبئة الصراع من أجل سلطة العمال عن طريق تبني مطالب محددة تهم الطبقة العاملة والكادحين.
في الواقع من المهم ان نلاحظ أن رجعية دول النفط الخليجي تلعب دور الثورة المضادة بالنسبة لنضالات المنطقة. فالسعودية والامارات العربية المتحدة أرسلت قوات الي البحرين لتخليص نظام الأقلية السنية الملكي من الانتفاضة الديموقراطية للاغلبية الشيعية. ولقد انضمت قطر لحكام المنطقة الاكثر ولاء للصهيونية من اجل تمويل وتأسيس أحزاب اسلامية في تونس ومصر بهدف ارساء الحكم الرأسمالي هناك. في الوقت الذي دعموا فيه التدخل الامبريالي وصعود القوي الاسلامية في ليبيا وسوريا
دور اسرائيل والثورة في فلسطين
تواجه الجماهير الفلسطينية كل هذه المشكلات مجتمعة. فالدولة الصهيونية تمتلك ميزة القوة العسكرية الساحقة وتستمر في اثبات استعدادها لارتكاب جرائم قتل جماعية من أجل الدفاع عن سلطتها. وبدون التقليل من مسؤولية الصهاينة عن محنة الفلسطينيين، فإنه من المهم أن نلفت الانتباه أن القيادات البرجوازية الفلسطينية قد لعبت أيضا دورها.
وضحت الانتفاضات لاسرائيل حقيقة أنها ليس بإمكانها الاعتماد على حلفاءها القدامى لو قررت الاستمرار في السيطرة على المنطقة. فعزلتها المتزايدة تدفعها لشحذ هجماتها على الفلسطينيين وتصعيد تهديداتها ضد ايران. جانبا مهما من هذه الجوانب هو مطالبة اسرائيل والولايات المتحدة لايران لإيقاف مشورع تطوير الطاقة النووية، من خلال فرض عقوبات على الجماهير الايرانية وتهديدهم بشن عجوم عسكري. وعلى الرغم من اننا نعارض النظام الرأسمالي الرجعي في ايران، فإننا في الوقت ذاته نعارض التدخل الامبريالي للولايات المتحدة واسرائيل ناهيك عن التهديد بالحرب. فقط الجماهير الايرانية هي التي تملك حق تقرير واختيار نوع الأنظمة لديها.
في هذه الأثناء، في الأراضي المحتلة، ظلت السلطة الفلسطينية تخدم كذراع للدولة الاسرائيلية لسنوات طويلة حتى الآن. وبينما تلعب لعبة إقامة دولة فلسطينية وهمية بجوار اسرائيل، تواصل اسرائيل استيلاءها على الأرض. فبالفعل في فبراير العام الماضي، استخدمت السلطة الفلسطينية قوتها البوليسية بعنف لمنع مظاهرات التضامن والاحتجاج من الدول العربية. وتعاملت حكومة حماس مع المحتجين في غزة بالمثل، في اشارة للولايات المتحدة واسرائيل عن نيتها للوصول لاتفاق معهم في مقابل الاعتراف بسيطرتها على قطاع غزة.
في الوقت نفسه، وبينما قيادات السلطة الفلسطينية وحماس مشغولون بقمع الجماهير الفلسطينية، تحقق نصر صغير ولكنه مهم عندما اضطرت اسرائيل للافراج عن عدنان خضر في جنين، والذي كان رهن الاعتقال الاداري بدون محاكمة. وانتشرت على نطاق واسع تفاصيل اضرابه عن الطعام والذي استمر لما يقرب من 40 يوما وأدت للاعلان عن اطلاق سراحه بعد نهاية 60 يوما من الاعتقال. ونحن ننضم لمطلب الجماهير الفلسطينية بإطلاق سراح كل المعتقلين السياسيين الفلسطينيين. فالدولة الاسرائيلية بيدها الملوثة بالكثير من الدماء لا تملك أدنى حق في محاكمة الفلسطينيين الذين قمعت وصادرت اراضيهم وممتلكاتهم طوال عقود طويلة.
استراتيجية ثورية للعمال والفقراء
القوى القومية والإسلامية في المنطقة لن تسقط الرأسمالية. فارتباطها بالبرجوازية والامبريالية جعل مصلحتهم تكمن في الحفاظ على النظام. فعلى الرغم من خطابهم المتطرف، فإن استراتيجيتهم تتلخص في ممارسة الضغوط على الامبريالية من اجل قبولهم وتمكينهم من التمتع بنصيبهم من الأرباح التي تكسبها من استغلال وقهر الجماهير.
وعلى الرغم من ذلك فإن جماهير وفقراء العالم العربي ليس لديها مصلحة في الحفاظ على الدول الرأسمالية الحالية التي تستغلها، فكما قال ماركس، ليس لديها ما تخسره سوى قيودها وأصفادها وقامعيها وكل مكاسبها تكمن في الاتحاد فوق النزاعات الوطنية والدينية. فنضال الطبقة العاملة من اجل الاتحاد، وقوتها في كل الانتاج الرأسمالي، يتيح لها مواجهة الرأسمالية والتخلص منها في نهاية المطاف. كما يقدم لها طريقا بديلا لادارة المجتمع والذي يفشل الاسلاميون في القيام به.
ولكن وكما أثبتت الانتفاضات في مصر وتونس، فإن الطبقة العاملة لا يمكنها الانتصار بدون وجود قيادة مستعدة تقودها في الطريق نحو انتزاع السلطة، قيادة ثورية بالضرورة. إن المهمة ذات الأولولية الكبرى الآن امام الثوار هي بناء الأحزاب العمالية، والتي تتكون من الشرائح الأكثر تقدمية سياسيا من الطبقة العاملة والتي تتفانى من أجل انهاء حكم الرأسمالية بثورة اشتراكية تخلق دول عمالية حقيقة.
هذه الثورة ستؤدي لانشاء فيدرالية للدول التي يحكمها الفقراء والطبقة العاملة، بما في ذلك دولة عمالية فلسطينية من النهر إلى البحر. والطابعالقومي لهذه الدولة سيكون فلسطينيا، ليس فقط لأنه مع عودة اللاجئين الفلسطينيين ستكون أغلبية الأرض، ولكن لأن الجماهير الفلسطينية ستكون في طليعة النضال الثوري للطبقة العاملة العربية.
في اسرائيل، ادراك أن الدولة الصهيونية تؤمن الارض والامتيازات للاسرائيليين على حساب الفلسطينيين يفسد الوعي السياسي لدى اليهود حتى الأفقر فيهم. ولذلك فإنه من الخطأ أن يفكر الماركسيون في امكانية انتفاض العمال الاسرائيليين ضد حكامهم كبقية الدول الأخرى. ولكن على الأقل يمكن استقطاب أقلية مهمة من الاسرائيليين اليهود لكي تدعم بنشاط نضالات الجماهير العربية الثورية.
الاهم من ذلك أننا نلاحظ ان تفاقم الازمة الرأسمالية العالمية يضعف من الدولة الصهيونية، كما يفتح الباب لانقسامات ومنافسة على الاستغلال والقمع يمكن استثمارها لاحراز تقدم في قضية تحرير فلسطين. حتي الان المهمة الأكثر إلحاحا للنضال فيها حاليا هي حملات احتجاجية متجددة للجماهير الفلسطينية للمطالبة بحقوقهم. وفي الوقت نفسه الاحتجاجات ضد الظلم الواقع على الاسرائيليين في الدولة الاسرائيلية يساهم في خلق حلفاء جدد للقضية الفلسطينية. ففي العام الماضي ظهرت باسرائيل حركة مدينة الخيام احتجاجا علي أسعار السكن في اسرائيل والتي أظهرت ازدراء للمحنة الفلسطينية. الاحتجاجات الاخيرة ضد الانتهاكات المتزايدة لحقوق المرأة تجاهلت أيضا الانتهاك الشامل لكل حقوق الفلسطينيين. ومع ذلك، فمن خلال الوقوف بجانب الاسرائيليين المضطهدين ضد حكامهم، يستطيع الفلسطينيون أن يعززوا قضيتهم في مواجهة الدولة الصهيونية.
نحن في الرابطة الاشتراكية الأممية نأمل في العثور على المزيد من الفرص للمشاركة في تنظيم تحركات احتجاجية ضد القمع الصهيوني. ونحن نشجع أغلب الافراد ذوي الوعي الطبقي على التواصل معنا لمناقشة الأفكار الماركسية الضرورية لبناء قيادة حزبية ثورية تستطيع أن تقود النضالات الجماهيرية نحو النصر.