بيان في ذكرى النكبة – ايار 2012

نحن هنا اليوم لإحياء يوم النكبة, ذكرى الترحيل القسري لـ900 ألف امرأة وطفل ورجل فلسطيني عن طريق العصابات الصهيونية المسلحة التي أسست دولة اسرائيل. وكان هذا الهجوم الوحشي بمثابة تتويج لعقود من القمع والمصادرة عاناها الفلسطينيين على يد المستوطنين اليهود, الذين ومنذ يومهم الاول كانت أولياتهم هي البدء بطرد الفلسطينيين من سوق العمل, و بطردهم من أراضيهم.

ولكن النكبة لم تبدأ بعامي 1947-1948 كما لم تنتهي بنهايتهما. في الحقيقة النكبة مستمرة حتى يومنا هذا. مستمرة في السطو الصهيوني على الأرض, مستمرة في رفضهم لتصاريح البناء, مستمرة في سلبهم لأموال المجالس المحلية الفلسطينيية, كل ذلك يدفع الفلسطينيين ويجبرهم على العيش في ظروف استثنائية من الفقر المدقع ومستويات معيشية متردية أكثر من قبل. النكبة مستمرة بالانقضاض على الحقوقالديموقراطية للفلسطينيين, مستمرة في شكل قوانين رجعية فاسدة أكثر من أي وقت مضى. النكبة مستمرة في الجليل والنقب والقدس الشرقية حيث يقوم المستوطنون و قوات الأمن الصهيونية باستخدام القوة المفرطة لشن حملة تهويد استعمارية عنصرية. النكبة مستمرة في الضفة الغربية حيث يستمر الجيش الصهيوني في الحكم بالتعاون مع السلطة الفلسطينية, والتي تبدو وسيلة أخرى من المستوطنين لمتابعة ارتكاب المذابح ضد الفلسطينيين. النكبة مستمرة أيضا في غزة, حيث تمارس اسرائيل الحصار لتجويع السكان والمجازر البشعة لكسر روحهم المقاومة. أينما التفت حولك سترى النكبة تنهش الفلسطينيين كما كانت دائما.

هذا الاتجاه ليس مجرد مؤشر للتطرف الديني: فرعاة بعض القوانين العنصرية الأكثر وحشية في الكنيست ينتموا للعلمانية الصهيونية كحزب الليكود وحزب اسرائيل بيتنا. كما انه ليس بسبب وجود حكومة عنصرية في هذه الفترة خصوصا: فالنكبة مورست كسياسة من قبل كل الاحزاب السياسية الصهيونية على التوالي مع الحكومة التي تتكون من احزاب اليمين واليسار. ربما يكون هناك من هم على اليسار الصهيوني ولكن لا يوجد يساريون ينتمون في الوقت ذاته للصهيونية, فلا يمكن لاحد أن يكون يساريا بحق دون أن يخلع عنه عباءة الصهيونية متخليا عن الانتماء لها. والحقيقة هي أن الاضطهاد العنصري لا ينفصل عن الصهيونية.

الصهيونية منذ البداية كانت تعني كونها حصنا ضد أي نوع من انواع الانتفاضات الشعبية ضد الامبريالية او الطبقة الحاكمة العربية بما في ذلك الطبقة الحاكمة الفلسطينية أيضا. وفي كل الحالات التي تمرد فيها الفلسطينيين ضد الاستعمار فإن كل الصهاينة يمينهم ويسارهم قد اخذوا صف مخيم الامبريالية البريطانية. ولم يتحول موقف الامبريالية البريطانية ليعادي الصهيونية إلا فيما بعد الحرب العالمية الثانية.

لعقود طويلة من الزمن ظل الشعب الفلسطيني يقاوم ضد ظروف القهر اللاانساني التي مارسه عليه الصهاينة. ومرة تلو الأخرى قام الشعب الفلسطيني ببناء المنظمات وتوليف التكتيكات (التي كان بعضها يستحق المدح وبعضها الآخر به خلل كبير والبعض يستحيل تحقيقه) من أجل التغلب على السلطة الصهيونية. لعقود طويلة اعتمد الفلسطينييون على منظمة التحرير الفلسطينية لحمل راية النضال ضد الصهيونية. وعندماخانتهم تلك المنظمة حول بعضهم دعمه لحماس, والبعض الآخر اعتمد على منظمات شعبية مفككة لحمل راية المقاومة. ولكن ورغم بعض المكاسب المتفرقة مثل الاعتراف المعنوي على الأقل بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره ومثل اتفاقيات تحرير الاسرى, إلا أن المقاومة فشلت عموما في إحداث تطوير حقيقي للنضال الفلسطيني ضد القهر.

وهناك العديد من الأسباب وراء ذلك. فالقوة العسكرية للدولة الصهيونية احد اهم تلك العوامل, وحاليا لا يناظر تلك القوة اي قوة اخرى في المنطقة سواء كانت مسلحة ام لا. ولكن ليس هذا العامل الوحيد, فالعامل الآخر المهم كان فشل وخيانة القادة الفلسطينيين لجماهيرهم. وخصوصا بعدما باعت منظمة التحرير الفلسطينيية القضية في أوائل التسعينيات بقبولها لاتفاقية اوسلو (وبالتالي تحول دورها ليصبح اليد الطولى للقمع الصهيوني في غزة والضفة الغربية), وحتى يومنا هذا عندما تجري حماس والسلطة الفلسطينية مفاوضات مع الصهاينة والامبريالية الغربية, فإن النضال الفلسطيني لا يزال يواجه باستمرار خصومه في الداخل.

إن تاريخ ابدال منظمة التحرير الفلسطينية بحماس يعلمنا أن الخيانة ليست نتيجة عجز خاص لدى القادة, رغم ان العجز بالفعل موجود بوفرة! إلا أن السبب الحقيقي وراء خياناتهم هو سياسة تلك المنظمات والخصائص الطبقية التي توجههم. وطبقا لتروتسكي, فإننا في الرابطة الاشتراكية الأممية نتبنى نظرية الثورة الدائمة, والتي ترى أنه في عصر الامبريالية, فإن الطبقة الرأسمالية عند الأمم المقهورة ترتبط بشدة بمختلف القوى الامبريالية وتتحاشى بخوف شديد أن تقود الجماهير أي نوع من أنواع الثورة الديموقراطية.

النضال الفلسطيني وعموما النضال الاقليمي ضد القهر الامبريالي أكد تماما صحة هذه النظرية. فعندما اندلعت الانتفاضة الأولى في اوائلالثمانينييات, قاموا بتحريك الجماهير لمقاومة القمع الصهيوني. وعندما سمح الصهاينة لقادة منظمة التحرير الفلسطينية بالعودة لفلسطين, كانت أولى خطواتهم هي احتكار السلاح والحد من شدة الهجمات المسلحة لملشياتها. وعلى هذا المنوال سارت حماس والجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية وسائر المجموعات الفلسطينية الكبيرة: حصر تحركات الجماهير في المسار الذي يخدمهم ويخدم مصالحهم خوفا منهم. ولا نعجب حينما نرى كم الفساد المستشري الآن في صفوف منظمة التحرير اللفلسطينية, ولانعجب أيضا حينما نرى قوات أمن حماس ومنظمة التحرير حريصين على السيطرة على اي تحرك احتجاجي كبير بل واخمادها في ميادينها, بغض النظر عن كونها انتفاضات محلية أو تظاهرات في ذكرى النكبة أو النكسة.

هذا الحديث ينطبق أيضا على قادة الانتفاضات التي هبت في منطقتنا خلال السنة الماضية. ففي تونس ومصر, كبلت القيادات الاسلامية نضال الجماهير وسمحت لعناصر وفلول النظم القديمة بالبقاء في السلطة. وفي ليبيا, خُطِفت الإنتفاضة من قِبل النظام السابق والقوى الاسلامية التي سلّمت النضال للناتو. أما في سوريا, الاحتجاجات السلمية الجماهيرية ضد ديكتاتورية الأسد وضد الفقر والاستغلال تعرضت لأبشع أنواع القمع الدموي المجرم من الدولة. ورغم ذلك يدّعي الأسد أنه يقف في وجه الامبريالية, رغم فظائعه المختلفة ضد الفلسطينيين,ناهيك عن محاولات استجداء السلام مع اسرائيل وخدمات التعذيب التي يقدمها لحكومة الولايات المتحدة (كما في حالة ماهر عرعر). وتحاول الامبرياليات وحلفاءها في ممالك الخليج وتركيا احكام السيطرة على الصراع السوري, وخصوصا من خلال تطوير تسليح الميليشيات التابعة لها وتشجيع بروز الاسلاميين المحافظين. في الوقت نفسه, يستمر النضال الشعبي الحقيقي للجماهير المحتجة والمناهضة ضد القمع. إن المعركة في سوريا بحاجة ماسة لقيادة اشتراكية قوية تمنع اي تعاون مع الامبريالية وتطور وتقدم برنامجا يتضمن مطالب ديموقراطية تضمن حقوق الشعب السوري ومطالب اقتصادية تستطيع توحيد العمال والفقراء والفلاحين ضد الحكم الديكتاتوري.

ولكن نظرية الثورة الدائمة تقترح أيضا حلا لأزمة القيادة: عدم وجود مصلحة في استمرار النظام الطبقي القائم, وتعرضها للاستغلال والقمع من الحكام القائمين والامبريالية, فعمال الأمم المضطهدة قادرون على دخول الصراع ضد كلا القوتين. الطبقة العاملة تؤدي دورا في المجتمع الرأسمالي يجعلها قادرة ليس فقط على الصراع مع الرأسمالية بل وطرح بديل أيضا: الثورة الاشتراكية ستكتسح الامبريالية وموالينها في الطبقة الحاكمة. ففي مقدمة الجماهير, ومع حزب ثوري يقوده طليعة العمال, سيتوفر لدينا بذلك عنصري المصلحة والقدرة على التفاعل مع النضال الجماهيري الذي يمثل الطريق الوحيد للخروج من مأزق حرب العصابات من جهة والخيانات والتنازلات من جهة أخرى.

ككل الثوار الماركسيين, فإننا في الرابطة الاشتراكية الأممية نسعى لبناء مثل هذه الاحزاب العمالية لتكون جزءا من مجهودنا المتطلع لاحياءالأممية الرابعة, الحزب العالمي للثورة الاشتراكية, والذي أنشأه تروتسكي في الثلاثينيات وتفكك كمنظمة ثورية في الخمسينات. هذه الأحزاب فور استيلاءها على السلطة سترعى القضايا الديموقراطية بما في ذلك سن قوانين استصلاح الأراضي, وحقوق ديموقراطية متساوية للجميع,وتأمين حق تقرير المصير. ولكنها لن تكتفي بذلك, فبالتأكيد ستتخلص من جهاز الدولة الرأسمالي القديم لتبني دولة جديدة يحكمها العمال والفقراء لحفظ مصالح الجماهير. والهدف الأساسي لهذه الأحزاب سيكون اتمام اسقاط المجتمع الطبقي وتأسيس المجتمع الشيوعي, مجتمع بلا طبقة أو دول, بلا قهر أو استغلال.

في فلسطين, فإن مثل هذه الثورة لا يمكن أن تعني سوى إعطاء جميع اللاجئين حق العودة لأراضيهم, بما يعني إقامة دولة العمال الفلسطينية من النهر إلى البحر, كجزء من اتحاد اشتراكي في المنطقة. إلا أن العقبة الاولى أمام ثورة تحقق كل ذلك أنه رغم معاناة الاسرائيليين بل والعمال اليهود من الاستغلال على يد الرأسمالية الصهيونية, بل وأحيانا يقعوا ضحايا الارتداد على الحقوق الديموقراطية, إلا أنهم يستمروا في التمتع بامتيازات ممنوحة من الدولة الصهيونية على حساب الفلسطينيين. بما يعني رفض كثير من العمال اليهود المشاركة في الثورة الفلسطينية بل وبعضهم سيعارضها بقوة.

ورغم أنها حقيقة مؤلمة إلا انها ليست بلا مخرج. فممارسة سياسة أممية من جانب الثوار الفلسطينيين يطالبون فيها اليهود الاسرائيليين بالتخلي عن امتيازاتهم في مقابل ضمان مساواتهم في الحقوق والسلام والأمن تحت مظلة الدولة الفلسطينية من الممكن لسياسة كتلك أن تضم لصفها على الأقل أقلية مهمة من العمال الاسرائيليين. وهذا ليس فقط هدفا مطلوبا من وجهة النظر الاممية, بل أيضا من وجهة نظر إضعاف قدرة الدولة الاسرائيلية على القمع العنيف للنضال الفلسطيني. نظرا لهذه الاعتبارات, على كل القوى المناصرة للفلسطينيين بذل قصارى جهودهم لضم أكبر عدد ممكن من العمال الاسرائيليين لكن بدون المواربة أبدا في حقوق الفلسطينيين.

من اجل حق العودة الكاملة للاجئين الفلسطينيين! كل اسرائيل ارض فلسطينية محتلة!

لا للتطهير العرقي في كل فلسطين! من اجل النضال الجماهيري ضد القمع الصهيوني!

من اجل دولة عمال فلسطينية من النهر الى البحر! من اجل فدرالية اشتراكية للشرق الاوسط!

من اجل تأسيس الاممية الرابعة من جديد!

Leave a Comment

Scroll to Top