الرفيق العزيز أبو خليل:
أنا واحد من مؤيدي منظمة الاشتراكية الثورية في اسرائيل ، والتي تعتبر اسرائيل كلها “أرض محتلة” ، فنحن نناضل من أجل إقامة وتأسيس الدولة الفلسطينية من النهر إلى البحر ، وانطلاقا من هذا المنظور ، أكتب منتقدا وبكل احترام كتاباتك الأخيرة عما سميته “ثورة أولاد الكلب” عن حركة الاحتجاجات الاخيرة على أسعار المساكن في اسرائيل.
بداية نحن نتفق معك في استنكار تجاهل الاحتجاجات الاسرائيلية الاخيرة محنة الفلسطينيين ، وهو الموقف الذي وصفناه بـ”شبه – مرض الأنانية الصهيونية”. ولكننا في الوقت ذاته نرى أنك على خطأ في موقفك الذي أعلنته “أنا لا أهتم كثيرا بالاحتجاجات الاسرائيلية”.
الرفيق أبو خليل ، كيف يكون شخص حياته كلها مكرسة لقضية تحرير فلسطين ولا يكون مهتما أشد الاهتمام بشق قاعدة الدعم الشعبي للدولة الصهيونية؟ كيف يمكن لقائد مناضل أن يرى انشقاقات وانقسامات تحدث في صفوف العدو ولا يكون مهتما بابتكار أفضل سبل الاستفادة منها؟ ومن وجهة النظر المؤيدة للقومية الفلسطينية فإن هذا الموقف غير مسؤول. اما من وجهة النظر الاممية فهو أسوأ من ذلك بكثير.
ومن جانبنا فقد انضممنا لحركة الاحتجاج على أسعار المساكن ، ولكننا شرحنا موقفنا في النقاط التالية:
“أولا وقبل كل شئ فإننا نناضل من أجل ومن منظور الضحايا الأكثر ظلما وحرمانا في هده الدولة; الفلسطينيين وأثناء نضالنا المستمر مع الحركة من أجل تحقيق مطالبها بوضع ضوابط على أسعار العقارات والمساكن وغيرها من ضروريات الحياة ، فإننا أيضا نرفع نداءً من أجل الدفاع عن حق الفلسطينيين في الحياة وفي توفير وسائل المعيشة بداية من:
– وقف سرقة وتدمير المنازل الفلسطينية.
– وقف التطهير العرقي للفلسطينيين في القدس الشرقية ويافا واللد والنقب.
– وقف الاستيطان.
– هدم الجدار العنصري.
– وقف التمييز العنصري ضد الفلسطينيين في الاسكان والتوظيف والخدمات الاجتماعية.
– فك الحصار عن غزة.”
وفي الوقت نفسه ، فإننا ندرك جيدا أن هذه المطالب الأساسية لا تذهب لما هو أكثر من الكفاح ضد تفاقم الاعتداءات الصهيونية ، لأنها في الحقيقة لا تعالج السلب الهائل الذي ارتكبه الصهاينة بالفعل تجاه الفلسطينيين. فهي حتى لا تتضمن على سبيل المثال حق الفلسطينيين في العودة. وبهذا نبرر موقفنا المنطلق من أن السلام والعدل الحقيقي لن يتحقق أبدا طالما وُجِدت هذه الدولة الصهيونية العنصرية بطبيعتها. وعندما سمعنا المتظاهرين في حركة الاحتجاج على اسعار المساكن في اسرائيل يهتفون: “مبارك ، والأسد ، ونتنياهو” ، قلنا نحن: “مبارك والأسد والدولة الاسرائيلية”.
وكما تعلم ، فإن الجماهير الفلسطينية تعاني أشد المعاناة من قيادتها السياسية ، فحركة فتح جعلت نفسها مجرد ذيل لجيش الدفاع الاسرائيلي ، قامعةً الفلسطينيين لأجل مصالح الكيان الاسرائيلي ، متسولةً الاعتراف بالدولة الفلسطينية لكي تتمكن من تأطير جماهيرها وتحجيم تحركها. أما حماس والتي لم تبع القضية صراحةً حتى الآن ، إلا أن عرضها لفكرة الهدنة طويلة الأمد مع اسرائيل في الحقيقة ، ليس أكثر من بيان استسلام واضح للوجود الاسرائيلي وقبول فكرة حل الدولتين. كل هذه الخيانات شجعت لتزايد درجة الاحباط بين هؤلاء الذين يناضلون من أجل تحرير فلسطين.
لن تتوقف أبدا نضالات الفلسطينيين وكل من يساندهم ضد القمع الصهيوني. ولكن هناك شعور عام لديهم أن نضالهم من اجل تحقيق التحرر الفلسطيني الحقيقي والكامل هو هدف محكوم عليه بالفشل ، شعور بأن الكيان الصهيوني قوة لا تقهر ، وخاصة لو وضعنا في الإعتبار الدعم المستمر والثابت الذي تتلقاه اسرائيل من قوى الغرب الإمبريالية.
الرفيق أبو خليل ، هل يمكن ان يكون موقفك الغير مكترث بحركة الاحتجاجات الاسرائيلية ، وتساهلك في الإساءة لهؤلاء المحتجين بوصفهم “أولاد الكلب” ، ينم بوضوح ليس فقط عن احتقارك للصهيونية ، ولكن أيضا ربما شعور باليأس والإحباط من القضية الفلسطينية؟ وعموما ، إذا كنت تؤمن بامكانية اسقاط الدولة الصهيونية وتحقيق التحرر الكامل للفلسطينيين ، لماذا لا تحاول الاهتمام عملياً بحركة الاحتجاج في اسرائيل وخاصة من منطلق استثمارها عمليا لتحقيق مكاسب فلسطينية؟
أثناء تأسيسنا لمجموعتنا ، كان علينا مواجهة مرارة حقيقتين موجودتين بالفعل:
1. بفضل الدولة الصهيونية ، فإن الجماهير الاسرائيلية تتمتع بحقوق الحصول على الأراضي الفلسطينية ، ومواردها وحقوق مواطنيها. ويمارس الكثيرون من الإسرائيليين قمعاً مباشرا ضد الفلسطينيين من خلال الخدمة في الجيش الاسرائيلي ، مما كان سببا جوهريا في فساد الوعي الجمعي الاسرائيلي بخصوص العنصرية ومعنى الولاء للدولة وفسر بوضوح الواقع الجماهيري الاسرائيلي المغاير لكل طبقات العمال والكادحين في العالم ، فلا يرجى منها عموما أي انتفاضة حقيقية ضد دولتهم.
2. الجماهير الفلسطينية وحدها غير قادرة أبدا على مواجهة الدولة الصهيونية بدون دعمها من الانتفاضات الثورية في الدول المجاورة.
أصبحت الحاجة ماسة إلى انتفاضات ثورية منسقة تعبر حدود القوميات وتتجاوز نقاط الايديولوجيات القومية. إن الشعور المضلل بما يسمى “الهدف الوطني المشترك” يقوض ويعزل الوعي الحقيقي بين طبقات العمال والفقراء والفلاحين الذين يتم استغلالهم من جانب الرأسماليين والعسكر والانتهازيين والرموز الدينية والسياسية. وكان محتماً على القادة العرب الرأسماليين استخدام مفهوم القومية لتطويع جماهيرهم في مواجهة العدوان الامبريالي ، من أجل السيطرة عليها واستغلالها. وحتى القوى الوطنية الفلسطينية تحتم عليها قمع الاحتجاجات الجماهيرية خوفا من خروجها عن السيطرة.
مما يؤكد أنه لا يوجد إلا الاستراتيجية الاممية التي تجمع كل المقموعين والمستغلين والمضطهدين ليس فقط ضد الامبريالية والصهيونية ، بل أيضا ضد الطبقات الحاكمة العربية البرجوازية الرأسمالية الطفيلية ، كطريق بديل لطريق القومية المسدود.
من وجهة نظرنا ، فإن موجة الانتفاضات الثورية للجماهير العربية تشير وبقوة لإمكانية حقيقية لتحرير فلسطين. فمثلا في مصر وكدولة مجاورة ، عندما تم اسقاط مبارك ورغم أن الجيش والذي يعتبر العمود الفقري للنظام الديكتاتوري لا يزال ممسكا بزمام الحكم ، إلا أنه وبتأمل الثورات الأخيرة نجدها قد منحت الجماهير احساسا بقدرتهم وقوتهم ، ولا تزال تمنحهم المزيد من الخبرات التي تؤهلهم لاتخاذ قرارات غالبا ماتكون جذرية. كل ذلك لو أضفنا إليه قدرتها المكتسبة على فرز قيادات جماهيرية من أكثرهم وعياً رجالا كانوا أم نساء ، نستطيع حينئذ بناء تصور واضح عن السنوات المقبلة حيث سيتحالف العمال مع الفقراء والفلاحين لاشعال ثورة تطيح بأركان النظام الطبقي القائم برمته.
ولكن ماذا عن اسرائيل؟ بعد تفنيد فكرة أن تلعب الطبقة العاملة الاسرائيلية أي دور ثوري عموما ، فإننا نعتبر أن دورنا تجاه الجماهير الاسرائيلية لا يعد نضالاً كاملا بل فقط هو مجرد بداية. وقد اكتشفنا أنه وفي كل الاحتمالات لن نستقطب من الطبقة العاملة الاسرائيلية إلا القليل من النشطاء لدعم الثورة الاشتراكية ، ولكننا لا نزال نؤمن بضرورة بحث النضال الفلسطيني عن سبل كسب أكبر عدد ممكن من الحلفاء داخل الصف الاسرائيلي ، وهذا وحده كافي للتعبير عن فائدة الوقوف بجانب حركة الاحتجاجات الاسرائيلية ضد الفقر. وعلاوة على ذلك فإننا نتطلع للحد من أعداد الاسرائيليين الذين ينضمون تباعا لحركة اضطهاد عنيفة تواجه نضالات الجماهير الفلسطينية. ولذلك فإننا نرى أن اتخاذ موقف حقيقي ضد تدهور الأحوال المعيشية للاسرائيليين يعتبر محكاً بالنسبة لأبطال حركة التحرر الفلسطينية ، وذلك إذا أرادوا تبديد خوف الاسرائيليين من فكرة أن الفلسطينيين يرديدون إلقاءهم في البحر.
دعونا إذا نُقَيّم حركة الاحتجاج الحالية في اسرائيل تحت ضوء هذه الأسئلة.
بالطبع نعتبر مساندة هذه الحركة الاحتجاجية بلا انتقاد جريمة كما فعل كثيرون في اليسار الاسرائيلي وآخرون. وكما ترون في منشوراتنا ، فقد انتقدنا بشدة وباستمرار مهادنة العنصرية الصهيونية ، ولكن في الوقت ذاته ، وكما انتقدناها فإننا يجب أن نكون قادرين على وضع بدائل حقيقية لتحقيق نضالاتنا ، وايجاد هذه البدائل هي مهمة الثوريين الحقيقيين في المنطقة ، وهي في الوقت ذاته مصدر قلق فكري كبير لكل الثوريين في جميع أنحاء العالم.
إننا نشاطرك كراهيتك للدولة الاسرائيلية ، ونتفهم كذلك شعور الازدراء تجاه المحتجين الاسرائيليين بل وتجاه معظم المجتمع الاسرائيلي الداعم لسياسات القمع الوحشي التي تنتهجها الدولة الصهيونية. ولكننا يجب أن نتساءل ، ماذا يمكن أن نفعل تجاه هذه الدولة وهذا المجتمع ، كيف نتأكد من أن الثورات في المنطقة ليست مهددة من قبل العسكر؟ كيف نتأكد أن المقاومة الفلسطينية ستتم ادارتها بكفاءة للتغلب على الوحش العسكري؟
على الرغم من أننا نتناول موضوعا مختلفا كليا الآن إلا أنه يمر بخاطري مقولة متعلقة بموضوعنا من كتاب تروتسكي “دفاعا عن الماركسية”:
“الثورة تولد من الرفض ، عندما تغيب القدرة على اتخاذ اجراء فوري ، يميل الثوريون فاقدوا الصبر لاستخدام أساليب مصطنعة وغير واقعية وفي كثير من الأحيان يطلقون اللعنات والتعبيرات القاسية والسباب .. فعندما تذهب بسيارة أحد العصابات الهاربة بها من الشرطة على طريق سئ ووعر لميكانيكي عاطفي فيجد الشاسيه مكسورا ، والعجلات ليست متزنة ، والمحرك محطم تقريبا فسيكون على حق حين يقول:” هذه ليست سيارة ، الشيطان وحده يعلم ماهي!”
يعتبر هذا التعبير رد فعل منطقي ومفهوم من ميكانيكي لدى أحد العصابات. ولكن دعونا نفترض أن هذا الميكانيكي نفسه يجب عليه ترميم هذا الشئ الذي “لا يعرف كنهه سوى الشيطان”. في هذه الحالة فإنه سيبدأ بالكشف على تلك السيارة المحطمة ، محددا الأجزاء التي لم يصبها الضرر وتلك التي تلفت تماما وذلك لكي يقرر خطة العمل في اصلاحها.”
بالطبع إن الدولة الاسرائيلية لا يمكن اصلاحها ويجب احلالها كليا ، فعنصريتها وطبيعتها الاستعمارية يمكن ان تدفعنا إلى عدم الاعتراف بها كدولة طبقية على الإطلاق ، بل وقد نميل لعدم تشريح هيكلها الاجتماعي طبقيا ، وقد نميل لأن نقول “هذا ليس مجتمعا طبقيا ، الشيطان وحده يعرف ما هو!” ونلغي بذلك أي صورة من صور الصراع الطبقي كما فعلت أنت.
ولكن رغم كل التشوهات التي يعانيها الهيكل الاجتماعي لدولة استيطانية استعمارية كاسرائيل ، فإنه يظل مجتمع طبقي ، فالعمال في اسرائيل حتى اليهود منهم يتم استغلالهم طبقيا. بالطبع أنهم محظوظون جدا مقارنة بجماهير المنطقة ، ولكن مقارنة بالعمال والفقراء في بلدان اخرى أوضاعهم أسوأ بكثير: فبسبب التعصب والولاء للدولة بين أغلب العمال فإنهم يكونون مشلولين تقريبا في مواجهة الهجمات الرأسمالية عليهم مما سهل كثيرا دور الرأسماليين الاسرائيليين.
لم نورد هذه الحقيقة وغيرها من الحقائق لكي نشعر بالأسف تجاه الاسرائيليين أو لكي ننسى للحظة واحدة النضال الأهم من أجل حقوق الفلسطينيين ، كحق اللاجئين في العودة وحق الفلسطينيين في حكم ديموقراطي بأرضهم التاريخية وحقهم في ديموقراطية حقيقية وحقهم في تحديد المصير ، ولكننا فقط وكثوار وأنصار دولة فلسطينية واحدة او بمعنى أدق من منظورنا دولة للعمال أثرنا هذه النقطة لنسأل أنفسنا ، كيف يمكننا استخدام هذه الحقائق لصالحنا ولاجل تحقيق مكاسب تخدم قضيتنا؟
لا يمكننا أبدا التنازل عن حقوق الفلسطينيين. فهذا ليس فقط لا اخلاقي ولكنه يعني كذلك إدارة ظهورنا للعنصر الأكثر اهمية في الثورة الفلسطينية ، الجماهير الفلسطينية نفسها. ولكننا نقول أن باستطاعتنا على الأقل أن نعطي شريحة مهمة من الجماهير الاسرائيلية (العمال والكادحين) سببا لمناصرتنا والايمان بقضيتنا ، أو على الأقل لكي يرفضوا دفع حياتهم في قمع الثورة الفلسطينية في حالة قيامها. بمعنى آخر ، استقطاب أو على الأقل تحييد تلك الشريحة من الجماهير الاسرائيلية.
ونحن نعلم أن اسرائيل على الرغم من منحها اليهود امتيازات عنصرية وممارستها للسرقة والقتل من أجل الدفاع عن تلك الامتيازات ، فإن ذلك يشكل مأزقا خطيرا بالنسبة لليهود. فبتحريض الدولة الصهيونية الاسرائيليين على التعصب باسم دولتهم ، تحرض أيضا أعداءها على فعلالشئ نفسه ، وكما قلت أنت بنفسك:
“أنا قلق على مستقبل اليهود في المنطقة، لأن أفعال إسرائيل تدفع الجميع إلى التطرف”
للأسف، كلما لجأ العرب إلى التطرف، كلما ادعى الصهاينة أن الإسرائيليين مهددون بأن يرمَوا في البحر، مبررين بذلك أي جرائم يرتكبونها للدفاع عن انفسهم. ويجب أن لا نستخف بما يمكن أن يحدث خاصة مع قوة الجيش الإسرائيلي وحجم تراسانتهم النووية. أي أفعال او تصريحات تهدد اليهود الإسرائيليين بشكل غير ضروري تعتبر هدايا للصهاينة يتم استخدامها في تبرير أي جرائم يرتكبونها مستقبلًا.
انظر مثلا إلى الهجمات السلفية على المسيحيين الأقباط في مصر. هذه الهجمات الحقيرة ليست فقط إرهاب منحط ضد الأقليات الدينية ، بل أيضا توحد اليهود الإسرائيليين ضد النضال الثوري للشعوب العربية. سيقول الصهاينة: ‘انظروا إلى ما يفعلون بالمسيحيين! تخيلوا ما يمكن أنيفعلوه بنا! لا خيار سوى أن نقتلهم’.
ومع هذا يكون رد فعلك على حركة الاحتجاجات الإسرائيلية أن تتفق مع اليساريين المصريين في وصفهم المحتجين بـ “أولاد الكلاب”. أعتقد أنهلابد من مراجعة هذا التعبير.
أولا، عندما تصوب لعناتك المستحقة نحو الصهاينة، لا تقذف في الكلاب فكلب صديق أفضل من صديق كلب ، وفوق ذلك لا ينبغي للثوريين أن يعرّضوا بالإساءة للحيوان. كما لا ينبغي نزع إنسانية أي فرد، حتى ولو كان عدوا.
لنكمل حديثنا بجدية، هل يمكنك تعميم اللفظ بأن كل المحتجين الإسرائيليين “أولاد كلاب”؟ التاريخ يعتبر هذا غير منصف. فمثلا، كان هناك عدد كبير من اليهود في فلسطين قبل النكبة ولم يكونوا جميعا صهاينة. والناجون من المحرقة النازية الذين أرغموا على الذهاب إلى إسرائيل (بعد أن منع السياسيين الصهاينة والبرجوازيين انتقالهم إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وصولا إلى قتل الكثير منهم)، وهناك تعرضوا للاضهاد والتضليل وأصبحوا بلا تأثير وضاعت معالمهم في غمار التاريخ. هل يمكن أن تصفهم بالكلاب؟ إنهم مجرد أدوات ، صحيح أن بعضهم أصبح من كلاب الإمبريالية ولكن بعد زمن. وحتى اليوم يعاني الناجون من المحرقة النازية من أسوأ الأوضاع في المجتمع اليهودي، رغم أن الدولة تستغل مأساتهم كمبرر لما تمارسه من قمع وحشي.
وبالإضافة إلى ذلك، ولدت عدة أجيال داخل إسرائيل دون ذنب اقترفوه وتم تلقينهم الصهيونية والعنصرية في المدارس دون أن يكون لهم دور في ذلك. وواجبهم أن يتحرروا من تلك المعتقدات، وبعضهم – رغم قلتهم – قد تحرروا بالفعل. وبذلك فإن وصف هؤلاء بـ “أولاد الكلاب” لا يشجعهم على هذا الاتجاه، بل للاتجاه المعاكس، إلى أحضان الدولة العنصرية.
وصف الناس بأنهم أقل من البشر يهدد بأنهم سيعاملوا بأسلوب لا إنساني. وللأسف، كان وصفك للاحتجاجات الإسرائيلية يتضمن هذا التهديد، بعد أن أوضحت أن الطريقة الصحيحة لتحقيق السلام لن تكون إلا بـ”القضاء على الكيان الصهيوني وإنهاء احتلال فلسطين”. أضفت:
“وعندما يعود اللاجئون الفلسطينيون إلى أراضيهم على كامل مساحة فلسطين، سأضمن أنكم ستدفعون إيجارا معقولا عندما تسكنون المخيمات الفلسطينية سابقا، رغم أنها لن تكفي كل المستوطنين عندئذٍ.”
أيها الرفيق أبو خليل، أتمنى أنك لم تعنِ ما قلته. بالتأكيد ازدرت تلك الفكرة ضحايا معاداة الصهيونية من الفلسطينين والنشطاء المناصرين لهم (ومنهم من هو داخل إسرائيل)، فكرة إجبار الإسرائيلين على العيش في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين الحالية لكي يدركوا مأساتهم الإنسانية.ولكن العيش في تلك الظروف المأساوية لا ينبغي أن يفرض على أي إنسان، وأن يراودك هذا الخيال الانتقامي لبعض الوقت شيء وأن تكتبه ثم ترفعه على الإنترنت شيء آخر، خاصة بعد أسابيع من سب “ثورة أولاد الكلاب”. ولأكون واضحا، أنا لست قلقا على مشاعر الإسرائيليين الذين قد يسمعون هذا الكلام، بل على تداعيات الموقف بالنسبة للفلسطينيين.هذا الكلام لا يضعف دعم الإسرائيليين لدولتهم، بل العكس هو الصحيح.
هناك حل. في فلسطين الديموقراطية، سيعيش الناس من كل الأديان – يهود ومسيحيون ومسلمون وآخرون- في سلام ومساواة، وسيعيش اليهود في أمان طالما تخلوا عن دورهم في القمع بالنيابة عن السيطرة الإمبريالية. وبالطبع ، الديموقراطية وحدها لا تكفي، فالدولة الفلسطينية يجب ان سيحكمها العمال والفقراء ، فكما أسلفنا ، القوميون الفلسطينيون ليس بوسعهم القيام بنضال حقيقي ضد الإمبريالية.
منذ بضعة شهور ، أجبت عن تساؤل “هل يمكن أن نغفر لإسرائيلي؟” بأنه لكي يكتسب الإسرائيلي القبول من المقاومة الفلسطينية ، فعليه أن يرفض الخدمة العسكرية ، ويغادر بلده لينضم للمقاومة المسلحة ضد إسرائيل. وهذا يثير عدة أسئلة.
1. بالتأكيد من حق الفلسطينيين استعادة أرضهم وأملاكهم. ولكن نظرا لأن عودة اللاجئين مستحيلة في ظل وجود إسرائيل، أليس من الأفضل في الوقت الراهن لليهود الراغبين في الانضمام للمقاومة الفلسطينية أن يستغلوا مواقعهم الحالية لمحاربة إسرائيل من الداخل؟ ونظرا للعدد الكبير من الفلسطينيين (وخصوصا العمال الفلسطينيين عنصر أهم بالنسبة لنا كاشتراكيين) داخل إسرائيل ، فإن ترك أرض هذه المعركة عمل غير مسؤول لأنه يضعف موقفنا.
2. النضال المسلح ضد إسرائيل له جوانب مضيئة وشجاعة وملهمة، ولكن يجب أن نسأل بصراحة ، ماذا حقق ذلك للفلسطينيين في العقود القليلة الماضية؟ نعرف جميعا أن النضال المسلح وحده لن ينجح في تحدي قوة إسرائيل العسكرية. بعض المقاومين الفلسطينيين يؤكد أن النضال سيؤدي إلى أن يدرك العالم الحقيقة البشعة للقمع الإسرائيلي ، ويؤدي إلى الضغط على إسرائيل من أجل الاعتراف ببعض الحقوق الفلسطينية. ولكن نعرف جميعا أن )العالم) لا يعني إلا الدول الإمبريالية ، التي أثبتت المرة تلو المرة ولاءها التام للصهيونية.
من ناحية أخرى ، لو عدنا لأحداث الانتفاضة الأولى والتي نعتقد انها الانتفاضة الأكثر مجدا للجماهير الفلسطينية ، نجد أنها كانت مخيفة ومقلقة لاسرائيل بما فيه الكفاية لسحبها نحو طاولة المفاوضات. وبينما نحن نعارض المفاوضات لاننا نعتبر أن تحرير الفلسطينيين غير قابل للتفاوض ، وبينما ندين خيانة قيادات منظمة التحرير الفلسطينية والتي أظهرت نفسها في اتفاقيات اوسلو وغيرها ، فإننا نجد أن النضالات الجماهيرية هو ما يخيف اسرائيل فعلا وحقيقةً.
وبالقياس على ذلك ، نجد أن الشئ نفسه ينطبق على اسرائيل والانظمة العربية بتعاملها بنفس الأسلوب في مواجة الحركة الجماهيرية الحالية. ورغم ابتعداها عن النصر الحقيقي إلا ان هذه الجماهير استطاعت تحقيق بعض المكاسب ، واستمرارها سيؤدي بالتأكيد لنزع الهيمنة الامبريالية الاستعمارية في المنطقة. وتخيل لو اشتعلت هذه النضالات الجماهيري في الداخل الاسرائيلي ، هذه هي وجهة نظر مجموعتنا ، وهذا هو السبب في أننا نرفض تماما كل الدعوات لمغادرة اسرائيل وبالتالي التخلي عن النضال والكفاح من اجل أهلها الفلسطينيين.
لقد ناقشنا كلا من قادة الحركة الاحتجاجية واليسار الاسرائيلي المنبطح للصهيونية. ولكن يبقى هذا مجرد جانب واحد من الموضوع ، فإن الحركات الاسرائيلية الأخرى وخاصة مجموعة “لا سلطوين ضد الجدار” ناضلت من أجل معالجة حركة الاحتجاج محنة الفلسطينيين. هؤلاء الناس الذين لا يزالوا رهن 1948 ، الذين واجهوا اعتداءات وتعذيب جسدي من الصهاينة في “مدينة الخيام”. وهم من يجب الدفاع عنهم وتشجيعهم ضد الهجمة الصهيونية ، رغم الكثير من الانتقادات السياسية التي لدينا تجاه هذه الجماعات. ولكن على أقل تقدير ، يجب علينا التفكير مليا قبل نعتهم بـ”أولاد الكلاب”.
من الواضح ان موقفكم تجاه حركة الاحتجاجات الاسرائيلية مدفوع من منطلق تضامن صادق وحقيقي مع الفلسطينيين ، ولكن يجب علينا وبكل احترام لومكم على موقفكم الذي يبدو وكأنه ليس لديك استراتيجية معينة من أجل تحقيق تحرك نضالي فلسطيني بالداخل الاسرائيلي. وكما قالتروتسكي – بعد انتهاء فلان من الاهانات يجب أن يشير إلى الطريق إلى الأمام. هذا الطريق بالنسبة إلينا هو النضال الطبقي ، النضال مع العمال الفلسطينيين ، وكذلك النضال مع العمال الاسرائيليين الذين من الممكن استقطابهم وحشدهم ضد اسرائيل.
ولا يبدو أنك توافق ترى أن الرؤية من منظور الطبقة العاملة شئ ضروري ، فكما قلت مرارا وتكرارا:
“لا أحب الأعلام ولا أحب القومية، ولكن بالنسبة للفلسطينيين، أحب أي شيء وكل شيء”
أنا أختلف معك بشدة. إنه لمن سخرية القدر التاريخية أن الشعب الذي حُرم من حقه في الوجود كأمة ومن حق تقرير المصير لا يستطيع أن يحقق ذلك على أسس قومية. الفلسطينيون وحدهم أضعف من أن يقهروا دولة إسرائيل ، ولكن بالاتحاد مع الشعوب العربية في المنطقة ، يمكن إسقاط الصهيونية. ولكن الرأسماليين في الدول العربية وحتى القوى البرجوازية لفتح وحماس في الأراضي المحتلة يريدون الحفاظ على العمال والفقراء والفلاحين تحت سيطرتهم وانتزاع كل ما لديهم قوة من أجل أن يستمروا في حكمهم واستغلالهم. إن استراتيجية أممية تؤدي إلى ثورة بقيادة العمال لإسقاط النظام الرأسمالي هي الطريق الوحيد لضمان تحرير الفلسطينيين وانتزاع حق تقرير المصير لهم بإسقاط النظام الإمبريالي. وقد أثبت التاريخ أن تجاهل نضال الطبقة العاملة، والالتفات إلى النضال المسلح والدعم السياسي للقوميين لا يؤدي إلا إلى المآسي والخيانات.
خالص الاحترام وتحية النضال والثورة
يهودا ستيرن
الرابطة الاشتراكية الأممية (إسرائيل فلسطين المحتلة)