الثورة التونسية في خطر! – كانون الثاني 2011

بحاجة إلى سياسة بولشفية لقيادة العمال والفقراء نحو السلطة!

إن فرار الدكتاتور التونسي زين العابدين بن علي من وجه الإضرابات العمالية والمظاهرات الشعبية في دولته أدى إلى موجة من النضال في الشرق الأوسط. إن الفكرة حول إمكانية الثورة ضد أنظمة الحكم التابعة للإمبريالية في المنطقة والتفوق عليها، أخذت تنتشر في أوساط العمال والشبان في العالم العربي.

لكن النضال في تونس نفسها بعيد عن نهايته، لأن الدكتاتور قد رحل، بينما الحزب الذي قاده ومارس الدكتاتورية بواسطة RCD لا يزال حاكمًا. طُردت الشرطة البغيضة، لكنها أصبحت سرية في أماكن عديدة. والجهاز السياسي للقضاء، الشرطة والجيش، الذي كان الداعم للدكتاتورية لا يزال يحكم قطاعات واسعة وهامة من البلاد. أسابيع من المظاهرات والإضرابات الجماهيرية التي طرحت المطالبة بأن يتم إخراج RCD من الحكومة لم تفلح حتى الآن. فيما يواصل محمد الغنوشي، أحد المقربين لابن علي، القيام بمهام رئيس الوزراء.

إن القوى الدكتاتورية التقليدية الضعيفة لا تستطيع قمع النضال الجماهيري بالعنف. لكن العمال والفقراء لا يرون زعامة قادرة ومستعدة لقيادتهم في نضالهم لإسقاط RCD من الحكم. لا يمكن لميزان القوى في تونس أن يبقى على ما هو عليه الآن إلى الأبد.

إن رغبة الجماهير بالتخلص من RCD يرافقها تفهم متزايد للحاجة إلى حكومة قوية تجعل الاقتصاد يتحرك ثانية. إن حكومة الغنوشي تتمنى أن تستطيع الاحتفاظ بالحكم، بينما أرهقت الجماهير بأسابيع نضالية دون جدوى. لكن ثمة دلائل بأنه استخدم وسائل أكثر عنفًا ضد الجماهير: المظاهرات التحريضية التي جرت في البلاد مؤخرًا وتعبر عن دعمها للحكومة وتناهض النقابات المهنية واليسار اللذين يشيعان الفوضى، إلى جانب الاعتداءات العنيفة ضد مكاتب النقابات المهنية في المدن المختلفة، وهذا يدل على المحاولات لتجنيد الدعم من الطبقات الوسطى لهجوم مضاد من قوى الدكتاتورية.

دور الجيش:

إن توازن القوى الحالي بين الغنوشي والجماهير يدعمه الجيش. الجنود الذين يتم تجنيدهم من طبقة العمال والفقراء، انجرفوا بلهيب ثورة الجماهير. وبنطاق واسع، فإنهم يتشاطرون بالأمل لإسقاط RCD من الحكم. وهم يحرسون اليوم المباني الحكومية والطرقات الرئيسية ويضعون الأزهار في فوهات بنادقهم دلالة على أنهم لا يرغبون بالمس بالجماهير.

إن القائد الأعلى للجيش الجنرال رشيد عمرو، اعتبر بطلا في البداية لأنه رفض أوامر بن علي بسحق المظاهرات الجماهيرية. وفعلا، بعد أيام من سقوط بن علي، لعب الجيش دورًا هامًا في الحد من عصابات الشرطة التي قامت بجرائم قتل بشعة.

أما عمرو نفسه فقد انتخب على يد بن علي، وهو مرتبط لفترة طويلة جدًا بجيشه وبالإمبريالية الأمريكية. وكان لعمرو ضلع بتهريب بن علي، وفعل ذلك ليضحي بالدكتاتورية لكي ينقذ سائر أبناء الطبقات الرأسمالية الحاكمة وقوتها السياسية. وعندما وصلت “عربات التحرير” إلى تونس من المنطقة الفقيرة في الوسط السياسي، وهددت بقيادة المظاهرات ضد الحكومة، وقف عمرو أمامها وهو يحمل مكبر الصوت، وطالبها بمنح مزيد من الوقت للإصلاحات. ووعد بأن “الجيش سيدافع عن الثورة”. ولكنه بالفعل أنقذ RCD من الثورة.

ثورة ديمقراطية وغير اشتراكية

لم تبدأ الثورة في تونس عندما تظاهر المثقفون لأجل حرية التعبير. بل بدأت بمظاهرات جماهيرية، بتنظيم النقابات المهنية، في مناطق المراكز الفقيرة من البلاد. اتبعت الجماهير شعارات مثل: “الخبز والحرية – لا بن علي!” وأوضحت منذ البداية أنها تكافح للتحرر لا من القمع السياسي فحسب بل من الفقر والاستغلال.

وبما أنهم أسقطوا الحكومات المحلية الدكتاتورية والشرطية في بعض المدن، واستبدلوها بلجان عمل منتخبة، فإن العمال والفقراء اتخذوا خطوات لإسقاط الطبقة الحاكمة وإيجاد حكومة خاصة بهم. كما أخذ العمال يسيطرون على تشغيل بعض الشركات بعد أن طردوا مرؤوسيهم، الذين تعاونوا مع الدكتاتورية. وتدعو النقابات المهنية إلى تأميم الشركات التابعة لابن علي وعائلته.

إن كان العمال يدركون ذلك أم لا، فقد كانت هذه خطوات نحو القضاء على علاقات الإنتاج الرأسمالي ورفع الفقراء والعمال إلى مستوى السلطة. إنهم يشيرون إلى قدرات الثورة بإسقاط الطبقة الحاكمة وقواتها المسلحة، واستبدالها بحكومة تنظيمات منتخبة ديمقراطيًا من العمال والفقراء. والتي تدعمها قوى سياسية ترتكز على طبقة العمال المسلحة.

للأسف الشديد فإن المجموعات الاشتراكية التي نعرفها في تونس تعتقد أن الثورة يجب، بالمراحل الأولى على الأقل، أن تطالب فقط بتشكيل حكومة ديمقراطية بحدود الرأسمالية. لكن كافة الدلائل تشير إلى أنه لا يمكن القيام بثورة ديمقراطية لا تهدد الرأسمالية.

بعد فرار بن علي، فإن الشخصيات المركزية في المعارضة المصبوغة بالدكتاتورية مثل: نجيب تشبي من PDP البرجوازية الليبرالية، وكذلك مندوبين عن اتحاد النقابات المهنية الرئيسية في الدولة، سارع زعماء UGTT بالدعوة لإنهاء النضال بعد أن تلقوا وظائف هامشية في حكومة RCD، ولم تأت هذه الخيانة نتيجة لتطلعاتهم الشخصية وفسادهم فقط. ويدرك هؤلاء الزعماء المؤيدون للرأسمالية أن هذا النهج يتطلب بقاء غالبية السكان تحت السيطرة والاستغلال. كما يدركون بأن الشعور الجديد بالقوة في أوساط العمال، هو الذي يشجعهم على النضال والإضراب لأجل حياة أفضل، وهذا يصطدم بالرغبة للعودة إلى الاستغلال الرأسمالي المربح. ونتيجة لذلك، وبالرغم من المطالبة بالتظاهرات الجماهيرية والإضرابات، فإن أحدًا من الشخصيات المعارضة لم تعرض تشكيل حكومة بدون RCD.

رغم ذلك فإن حكومة كهذه هي جزء من الحملة الانتخابية لحزب اليسار الذي يبدو بأن لديه القاعدة الأوسع في أوساط العمال. الحزب الشيوعي في تونس (PCOT)، بزعامة حمام حمامي، أظهرPCOT جرأة منقطعة النظير عندما واجه القمع الرهيب من دكتاتورية بن علي. لكن الحزب مخلص لتراثه الستاليني، ويصر اليوم على ألا يتخطى العمال مرحلة الديمقراطية البرجوازية. لذلك فإن “النقاط التسع” للحزب لا تدعو إلا إلى “التغيير الديمقراطي”.

ارتبط PCOT ببعض الأحزاب البرجوازية التي عارضت بن علي، وفي مقدمتها PDPومنذ أن بدأ PDP بدعم حكومة الغنوشي فإن PCOT لم يفلح بإيجاد شريك برجوازي يوافق على برجوازي- ديمقراطي الذي يشبهه. وفي مؤتمر “جبهة 14 يناير” استطاع الحزب أن يصرح فقط بمشاركة عدد من الفرق الليبرالية الوطنية ومجموعات عمالية، بمن فيها حزب البعث.

الاعتقاد السائد في PCOT أن بوسع القوى البرجوازية والعمالية أن تتمهل بنضالها الطبقي، الواحد ضد الآخر في معركة مشتركة لأجل الديمقراطية، وهذا يؤدي بالحزب إلى مداخل ذات قدرات تدميرية حيال الجيش. نشر الحزب سلسلة من المقالات التي كتبها سمير حمودة عن دور الجيش في الثورة. وقارن حمودة في هذه المقالات بين التطلعات الثورية للجنود العاديين وبين الدور النقيض الذي لعبه الضباط. واعتقل الجيش أفرادًا من الشرطة الذين ارتكبوا الجرائم، ولكنه دافع تحت قيادة الضباط عن المؤسسات الحكومية من الجماهير، وفي أكثر من حادثة، قبيل سقوط بن علي، أحاط بالمتظاهرين أثناء تعرضهم لمهاجمة الشرطة. لكن بعد أن أشار حمودة إلى هذا التناقض، وبدلا من تنظيم كفاح، تنظيم تمرد للجنود ضد ضباطهم، ادعى أنه إذا ضغطت الجماهير أكثر على الجيش فسيقف إلى جانب الثورة، بمن فيهم الضباط.

يعرض آخرون في اليسار نظرة محيرة بذات المدى حول التعامل مع الشرطة في تونس. فمنذ سقوط بن علي، رأت الجماهير مشهدًا مذلاً لعدد من الشخصيات الدكتاتورية التي ادعت أنه ليس لها قسط بأعمال السلطة السابقة. رئيس الوزراء الغنوشي الذي خدم بن علي بإخلاص خلال سنوات طوال، طالب بثقة الشعب مدعيًا بأنه عانى هو الآخر من الدكتاتورية. وبعدئذٍ خرجت الشرطة بمظاهرة في 22 يناير في تونس، بحجة أنها كذلك ضحية الدكتاتورية، وطالبت برفع الرواتب والحق بإقامة تنظيم مهني.

نشر حزب العمال الاشتراكي SWP البريطاني في صحيفة Socialist Worker عدد 29 يناير، مقابلة مع مناضل من UGTT, ويدعى جلياني حماني، وذكر فيها أنه بالرغم من عدم التعاطف مع الشرطة، “فإنهم أشخاص يدعمون حقهم بإقامة تنظيم، لكنهم يخشون المشاركة بالانقلاب على الحكومة”. ولم يعرض SWP حلا لهذه المعضلة عن طريق الاعتراف بأن أفراد الشرطة هم الأوغاد الذين استأجرهم أبناء الطبقة الحاكمة، والذين يجب أن يتخلوا عن سلاحهم.

يدرك الماركسيون أن الجنود الذين ينضمون إلى الجيوش يتوقعون بأن تنحصر وظائفهم في الدفاع عن بلادهم من أي تهديدات أجنبية. وغالبًا ما يقاومون الاضطهاد الذي يتعرض له إخوانهم أبناء الطبقة العاملة. ونتيجة لذلك يمكن جعلهم يتحولون إلى جانب ثورة البروليتاريا. وتدرك الشرطة من ناحية ثانية، أن وظيفتها هي قمع العمال، ومن المحتمل أن نتوقع منهم أن يصبحوا ردة فعل ثورية أكثر حزمًا. ويجب أن يصبح العمال على استعداد لسحق مقاومتهم بالقوة.

الطريق إلى الأمام

تدل الثورة التونسية حتى الآن، كما هو حال سائر الثورات في هذا القرن، أن السبيل الوحيد لضمان الحرية التي حظيت بها الجماهير التونسية حتى الآن هي ثورة ينتصر فيها العمال والفقراء.

لأجل حكومة عمال وفقراء 

لا يحتاج العمال والفقراء إلى إصلاحات لحماية السلطة الرأسمالية، ولن يدعوا الجماهير تحت تهديد البطالة والجوع. إنهم يحتاجون إلى قوة سياسية تسيطر على الصناعة، الزراعة والمصارف وتديرها لأجل مصالح الجماهير، لا لأجل أقلية ثرية. إنهم بحاجة إلى دولة لن تستعبد الاقتصاد لصالح الإمبرياليين الأمريكيين والفرنسيين. بل أن تعمل على نشر ثورة العمال في العالم أجمع، ولأجل بناء اقتصاد عالمي لرفاهية الجميع.

وكما ذكرنا من قبل، فقد اتخذت الجماهير خطوات نحو إقامة قوة خاصة بها. وهذا يدل على توفر القوة لدى الجماهير لإسقاط RCD والشرطة، وتشكيل حكومة بديلة تعتمد على التنظيمات الجماهيرية للعمال والفقراء. وينبغي إجراء الانتخابات لمجالس العمال والفقراء في أي مكان مستطاع. كما ينبغي انتخاب مندوبين للمجلس المركزي باعتبارهم ممثلين للثورة وأنهم لا يخشون من تولي السلطة.

السلاح للجماهير! لأجل مليشيات العمال والفقراء

يجب أن لا تتعرض الجماهير لعدم الحماية ثانية من قوة الشرطة والجيش الحكومي. وألا يتلقى الجنود الأوامر ثانية من ضباط، قامت بتعيينهم حكومة غير منتخبة. ينبغي أن تقوم طبقة العمال بتسليح نفسها وحل القوات المسلحة في الدولة.

ثمة تأييد للثورة من الجنود أبناء الطبقة العاملة، ويمكن نيل تأييدهم لهذه الإجراءات. ويستطيع الثوار أبناء الطبقة العاملة عرض سبل شتى للقيام بذلك. وبينما هم يحذرون من معارضة الضباط لذلك، يجب على الثوار أن يعرضوا على الجنود: 1- تأييد تسليح الجماهير، بداية منظمات العمال ولجان الأحياء والمؤسسات الأخرى لأجل الدفاع عن النفس. 2- المكافحة لأجل حقهم في انتخاب ضباطهم. وعندما يصادف الجنود أي مقاومة لهذه الخطوات من قبل ضباطهم، سيدركون ضرورة التمرد على الضباط، وينتظمون بمجالس من مندوبي الجنود الذين سينضمون إلى العمال والفقراء بنضالهم الثوري.

فيما ينبغي على الاشتراكيين الثوريين تشجيع الجنود للانعتاق من الضباط وتنظيم دعم لثورة العمال، وفي الوقت ذاته عليهم تحذير العمال والجنود أنفسهم طالما يفرض الضباط سيطرتهم، لا يمكن الاعتماد على الجيش بألا يتصرف ضد الجماهير. وعلى الجماهير ألا تهدر الوقت عبثًا، بل يجب أن تحمل السلاح فورًا.

لأجل اجتماع تأليفي

حكومة مجالس العمال والفقراء، والتي تعمل على تغيير المجتمع لصالح الجماهير، والمؤلفة من مندوبين منتخبين ومعرضين للانتخاب المتجدد في كل مرة ممن انتخبوهم، تصبح أكثر ديمقراطية من حكومة ينتخبها البرلمان بالطريقة البيروقراطية والتقليدية. ولإثبات ذلك على الثوريين النضال لأجل انتخابات وطنية معتمدة على حقوق التصويت المعروفة عالميًا للاجتماع التأليفي، والذي يقرر في شكل الدولة والحكومة، وهذه تهدف إلى المصادقة على قوة مجالس العمال والفقراء.

يحتاج العمال إلى حزب ثوري

قام العمال في تونس بالثورة، لكنهم لم يجدوا القيادة التي تعلمت من عبر الماضي. جميع الثورات العظيمة، منذ روسيا عام 1917 وحتى إيران عام 1979، افتتحت عهدًا من الحوارات والنضال بين كافة القوى السياسية التي تنافست على السلطة. وبعد أن ذهل العالم من العمال في روسيا، حيث أسقطوا القيصر من السلطة عام 1917، سقطت السلطة في يدي حكومة مؤقتة برجوازية، والتي تنكرت لمطالب الجماهير، وحاولت إخضاعهم للرأسمالية. لكن العمال المتفوقين بوعيهم السياسي، توجهوا نحو الحزب البولشفيكي، بزعامة لينين وتروتسكي، والبولشيفيكيون شجعوا العمال بألا يتخلوا عن القوة التي بأيديهم. وأقنعوا الجماهير بنهاية المطاف بحاجتهم إلى ثورة أخرى، اشتراكية، والتي ستقود العمال إلى السلطة. دولة العمال التي خلقتها ثورة أكتوبر، اختنقت أخيرًا نتيجة الفشل في نشر هذه الثورة في العالم. وقضت عليها بالنهاية البيروقراطية الستالينية في سنوات 30 من القرن الماضي.

استمر تروتسكي ومؤيدوه في المؤتمر الرابع للاشتراكية العالمية باتباع الاستراتيجية البولشفيكية لثورة العمال الاشتراكية (ملقبة ﺒ”الاممية الرابعة”). ويرغب هؤلاء المؤيدون الحقيقيون اليوم مواصلة العمل لإقامة الأحزاب التقدمية بذات الاستراتيجية الثورية. وبالرغم من أن العمال في تونس لم يجدوا حزبًا بولشفيكيًا جاهزًا وبوسعه قيادة الجماهير في السلطة، فلا يزال متسع من الوقت للعمال لإنشاء حزب كهذا. النتائج المدمرة بسبب الفشل في بناء قيادة يمكن أن نجدها في الثورة الإيرانية، حيث أخفق العمال بتولي السلطة، واقتيدوا بالنهاية إلى شرك الثورة المضادة.

Leave a Comment

Scroll to Top